بسم الله الرحمن الرحيم معالي مدير الجامعة وزملائه الكرام و الإخوة الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أولاً: نعتذر عن التأخير، و كان ذلك بسبب إصرار مدير الجامعة على أن نذهب إلى مشروع وادي التقنية ومشروعات الجامعة، وحقيقة كانت رحلة من أجمل الرحلات، هي رحلة قصيرة جداً بقصر الزمن الذي تمت فيه إعادة تطوير هذه الجامعة.
جامعتنا الغالية، التي يجب أن تكون أفضل جامعة في المملكة العربية السعودية. ثانياً: أنا أشكر هذه الجامعة لاحتضانها الجائزة في هذا العام، ولكن قبل ذلك احتضان معالي مدير الجامعة وزميلي الدكتور عبد العزيز المقرن في كلية العمارة ومنسوبي الجامعة في هذه المرحلة قضية التراث العمراني في المملكة العربية السعودية. لم تحدث نقلات بالبناء في الجامعة ونقلات بالمشروعات فقط، ولكن حدثت نقلات بالعقول، فترة من الزمن مرت، عندما انطلقنا في برنامج التراث العمراني في التعليم الجامعي قبل عدة سنوات
كان هناك نوع من التمنع، أقول هذا لأخفف من الذي حصل في قضية الانخراط في الاهتمام بالتراث العمراني الوطني، واعتبار التراث العمراني الوطني نقطة انطلاق نحو العمارة الجديدة، ونحو القضايا الجديدة التي نسمع عنها خارج بلادنا، وحقيقة أنها انطلقت من عمارتنا ومن أصول عمارتنا. ثقافة الجامعة في هذه المرحلة سمحت بالتحولات الكبيرة التي تشهدها الجامعة في مجالات كثيرة، ومن أهمها مجال العمارة، والعناية بالتراث العمراني الوطني. ولا يوجد شك أن المملكة العربية السعودية تمرّ بمرحلة انتقالية كبيرة في قضية التراث العمراني، فنحن اليوم انتقلنا من مرحلة الهدم والتدمير
عن طريق الجهل أو عن طريق القصد – للتراث العمراني الوطني إلى مرحلة الاعتزاز، ومرحلة العناية الاقتصادية، ومرحلة التنمية، فاليوم المباني الآيلة إلى السقوط أصبحت المباني القابلة للنمو وللازدهار. اليوم نشهد مرحلة تاريخية في انتقال المملكة كدولة، و-الآن- كمواطنين، وهذا هوالأهم في العناية بالتراث العمراني بأبعاد لم نكن نحلم بها قبل سنوات قليلة. مراحل الجهاد الأولى التي كانت تقوم بهة مؤسسة التراث وشركاؤها ومن الناس الموجودين اليوم انتقلت إلى مرحلة تحول عميق جداً، سوف يتوج -إن شاء الله- في المؤتمر الدولي للتراث العمراني في العالم الإسلامي الذي سوف يكون برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله – الذي وافق في أقل من 48 ساعة على رعاية هذا المؤتمر في إبريل المقبل في الرياض.
نحن سوف نعرض في هذا المؤتمر النقلات الهائلة التي عرضتها العام الماضي في الأردن، وفي بعض الدول، ولم يصدق الناس أن هناك دولة تمرّ بكل هذه المحاور، وكل هذه النقلات في وقت واحد، من ناحية الأنظمة، ومن ناحية التحول الذهني لدى رؤساء البلديات، ولدى المواطنين ولدى المجتمعات المحلية. الذين التقيت منهم أكثر من 60 – 70 من رؤساء البلديات في السنوات الماضية، والهيئة التقت أكثر من 600 منهم في جولات مستمرة.
انتقلنا من مرحلة من يقول لي : لماذا لا تزيلون هذه القرى التراثية التي تحرجنا أمام زملاء أبنائنا الذين درسوا معهم في الخارج، و الذين يعتقدون أننا نعيش هكذا، انتقلنا إلى مرحلة أصحاب هذه القرى التراثية الذين تجمعوا الآن في مشروعات الجمعيات التعاونية التي انطلقت منها إن شاء الله 3 أو 4 من الآن، وتبدأ في خلال الأسبوعين المقبلين -إن شاء الله- الإقراض من صندوق التسليف للجمعيات التعاونية لإنشاء الفنادق التراثية والمشروعات الاستثمارية.
انتقلنا من بلدوزرات البلديات التي تعمل ليل نهار، وبخاصةً في الليل، وهي تقضي على المواقع التراثية، إلى رؤساء البلديات الذين ذهبوا إلى دول العالم. أكثر من 300 رئيس بلدية ومحافظ حتى الآن، وهذه الجولات مستمرة. وقد تحولوا إلى حماة ورعاة وبنائين للتراث العمراني. انتقلنا من ميزانيات للهدم إلى رؤساء البلديات في أكثر من 50 – 60 بلدية بدءاً من العام الماضي حتى هذا العام. الحمد لله يعملون معنا بتضامن لإعادة تهيئة الساحات ومواقع التراث العمراني. انتقلنا من النظرة إلى التراث العمراني بازدراء، كأنه جسم غريب
كأنه أقل من مستوانا، إلى مستوى احترام تراثنا العمراني؛ لأن احترام التراث بشكل عام، والتراث العمراني بشكل خاص، في أي دولة اليوم حقيقةً هو علامة تحضر، والذي حصل أننا نحن – حقيقةً – ارتقينا إلى مستوى العناية بتراثنا العمراني، ولم ينزل مستوى تراثنا العمراني إلى مستوانا، هذه ممكن نقطة أول مرة أوردها، ولكن حقيقةً أنا أؤمن بها؛ لأنه عندما ذهب رؤساء البلديات والمحافظون كانوا مثلنا منبهرين بالثقافات الآخرى.
ذهبنا بهم إلى ثقافات أعلى من حيث التحضر الاقتصادي والصناعي والثقافي إلى حد كبير، ذهبوا و رأوا هذه الدول التي انبهرنا بها، واخترعت لنا كل شيء نأكله اليوم وكل شيء نعيش فيه اليوم، ورأوا عناية هذه الدول بالتراث العمراني، وكيف حولته إلى موارد اقتصادية وثقافية وموارد جذب واعتزاز وطني. كانت رغبتي ورغبة معالي مدير الجامعة أن يكون أول حفل للجامعات في كلية العمارة في فترة النهار بحضور الطلبة ورواد المستقبل، وحقيقةً اعتزازي اعتزاز خاص بمشرفي الطلبة الذين رأيتهم اليوم وهم يجب أن يكرموا تكريماً خاصاً.
حقيقة أنا سعيد بهذا الحضور الكريم والعزيز، و الإخوان الذين أشوفهم اليوم كلهم من الذين عاشوا قصة هذه القضية. وسوف يكون -إن شاء الله- حفل قريب لتكريم الطلبة في كلياتهم الذين أتوا منها، جامعة الملك عبد العزيز حصدت كثيراً من الجوائز، ولكن سوف يكون هناك حفل تكريمي في كلية العمارة برعاية الدكتور عبد العزيز، ومعالي مدير الجامعة، و -إن شاء الله- أكون من الحضور، حتى يرى زملاؤهم ذلك.
ثانياً: زميلي وصديقي الدكتور أسامة، أنا كسبت الدكتور أسامة في هذه الجائزة؛ لأني أنا كنت و مازلت من المعتزين بكتاباته، و أعماله، فنحن الآن نمرّ بمرحلة نقلة كبيرة في هذه الجائزة. وثالثاً: سوف نعلن قريباً عن تطوير كامل لهذه الجائزة، ولأول مرة هذا العام ذهبنا بطلبة متميزين بجامعة الملك سعود مع رؤساء البلديات، ومع المحافظين إلى تونس.
أقترح اليوم أن تكون الرحلة المقبلة تشمل الفائزين بالجائزة، ونعدّ هذا تقليداً أن تشمل الرحلات السنوية التي تقوم بها الهيئة لرؤساء البلديات أنها تشمل الفائزين بالجائزة حتى يكون هناك تلاقٍ بالجانب الأكاديمي والتعليمي. نحن نتطلع إلى أن الجامعات الآن تقوم بدورها في تطوير مواد البناء والعمل، ونحن في مؤسسة التراث الآن نقوم بتطوير لمواد البناء الطينية، مع شركات متطورة.
يعيب علينا اليوم أن فرنسا تعدّ قاعدة في تطوير البناء بالطين، ونحن نعيش في بلد يجب أن يتطور فيه البناء بالمواد التراثية المحلية ليكون قابلاً للبناء، وهو قليل الصيانة، و أفضل من المواد المصنعة. يعيب علينا اليوم ألا نكون الدولة الأولى المتقدمة في تطوير تقنيات البناء المحلية، ونحن اليوم نعدّ من الدول المهمة على مستوى العالم العربي في تنوع تراثها العمراني. يعيب علينا أن جامعاتنا لا تكون المصدر الأساسي الأول للمعلومات عن التراث العمراني الوطني.
وأيضاً لا يليق أن تكون جامعة الملك سعود، وهي موجودة في الدرعية، ولا تشارك في برنامج تطوير الدرعية التاريخية، البرنامج الآن مقدم لليونسكو، و أنا سعيد بوجود الدكتور علي الزميل الذي أكد لي أن نبدأ مع برنامج الجامعة إن شاء الله. ليشارك طلبة الجامعة بعمل أيديهم في مشروع تطوير الدرعية التاريخية. أنا كنت أبني بنفسي في مشروع مزرعتي في العذيبات، و كسبت من لمس المادة والعمل مع البنائين أكثر مما يكسبه أي إنسان في المكاتب الكبيرة،إذاً نحن نحتاج إلى خلق المهندس المعماري المتواضع، وليس المهندس المعماري الذي يريد أن يضع اسمه على المبنى قبل أن يضع فكره وقلبه في قلب المبنى.
أيضاً ما أبوح به من سر أننا نعمل مع الجامعة الآن -إن شاء الله-، وهذا ليس إعلان عن مشروع، ولكن إعلان عن مبادرة مهمة لإنشاء مركز البناء بالطين مركز تطوير البناء بالطين في الدرعية التاريخية. أبشركم أن منظمة اليونسكو بتنسيق مع سمو الأمير فيصل بن عبد الله مع جامعة حضرموت، ومؤسسة التراث خصصنا حياً بالكامل في الدرعية لإنشاء مركز البناء لتطوير مبانٍ محلية بالتعاون مع جامعة الملك سعود.
لذلك نحن اليوم نريد أن نذهب إلى المرحلة المقبلة، ونرتقي بعملنا العمراني بأن نحتضنه، وكلمة نحتضن أكبر كلمة أستطيع ان أعبر بها اليوم عن تراثنا العمراني المميز الرائع.نحن مقبلون على مرحلة انتقالية في مجال العمارة في مجال التمكين. وهيئة السياحة تحضر برنامج تمكين الآن، وهو يشمل تأهيلاً جديداً بالتعاون مع وزارت البلديات للمكاتب الهندسية التي سوف نعطيها تأهيلاً وترخيصاً جديدين على نطاق البلديات وتصنيفاً جديداً، فهذه المكاتب الهندسية مؤهلة للعمل في المواقع التاريخية والتراثية، ولكن حقيقة الآن يكون هناك تأهيل جديد للمقاولين، وسوف تبدأ هيئة السياحة مع البلديات ببرنامج تدريبي متكامل لشركات المقاولات بأن تكون مصنفة تصنيفاً جديداً للعمل في المواقع التاريخية.
وسوف نبدأ الآن مع المجتمعات المحلية التي يمكن أن يكون فيها «مجمع»، أول وحدة فيها لبرنامج تدريبي للمواطنين الذين يريدون إنشاء شركات ترميم، ويعملون في مواقعهم لإدارة وتطوير مواقع التراث العمراني وترميمه وتطويره. «المجمع» انطلق ببرنامج اسمه «لا يطيح»، ونحن سوف نستخدم هذا المضمون في برنامج التدريب المحلي لتطوير قدرات السكان المحليين ليبنوا بأنفسهم وينشئوا شركات التطوير؛ فلذلك اليوم هذا جزء صغير مما أنا أدعو إليه.
الجامعات تحتضن التراث العمراني الوطني وتنطلق منه، ليصبح هو أساس انطلاق عمارتنا الحديثة، ونستوعب ليس فقط رموزاً ومثلثات أشياء مثل هذه للعمارة المحلية، بل نستوعب روحها وتفوقها، ونضع خطاً تحت كلمة تفوق العمارة المحلية، وعندما ندرس قضية الاستدامة ننظر إلى العمارة المحلية؛ لأنا ندرس قضية الصيانة، وننظر إلى العمارة الحلية عندما ندرس روح البناء.
أنا أقول شيئاً، وهو أنني أتطلع إلى المستقبل الذي تكون فيه المكاتب الهندسية والمهندسون المعماريون هم الذين يستطيعون أن يستوعبوا رغبة المواطن الذي تحول الآن نحو العمارة التراثية، واستيعابها كمسكن ومكان حياة، والبلد مقبلة الآن على مشروعات ضخمة لمشروعات التراث العمراني في وسط الرياض، ووسط جدة، ووسط الطائف أبشركم مشروع تطوير وسط الطائف هذه السنة رصدت له ميزانية، وبدأ حجر الأساس يوضع لإعادة تطوير وسط الطائف التاريخي كما كان.
بدأنا الآن بتطوير وسط المدينة التاريخي، لذلك يجب أن تستجيب الجامعات للأمر الواقع، فنحن نأتي الجامعات بتمنيات وطموحات. الآن أصبح الأمر واقعاً، المكاتب الهندسية يجب أن تستجيب للأمر الواقع؛ لأن الآن الطلب سيكون عالياً جداً على تطوير المشروعات والفنادق التراثية، وتطوير المواقع السياحية الكبيرة من منظور التراث العمراني الوطني. فهذا هو التحدي الآن، انتقلنا من تمنيات تراث وعاطفة نحو التراث، إلى منظور اقتصادي تنموي.
مسار جديد، يجب أن تحتضنه كليات العمارة، حتى لا تعيش كليات العمارة في كوكب آخر كما كانت تعيش اليوم المعماري السعودي المميز، هو المعماري الذي يلقن العالم شيئاً جديداً، وينافس العالم الغربي والشرقي على شيء، هو يفهم فيه كصنعة أكبر منه، ولن يُلحق فيه، يجب عليه هو أن ينطلق من التراث العمراني حتى يعزز هذه القيمة المضافة.
أشكر معاليكم على احتضان هذه الجائزة، وأشكر الحضور، وأشكر زميلي الدكتور أسامة الجوهري، والدكتور زاهر عثمان -المدير العام لمؤسسة التراث- وسعيد بهذه الليلة المباركة -وإن شاء الله- نتطلع إلى أن تعرض مشروعات الفائزين، وينطلق الحفل المقبل في كلية العمارة. وأن ننطلق للحفل القادم في الجائزة الرئيسة التي تكون هذا العام بالهفوف في شهر إبريل من هذه السنة. الحفل الرئيس يكون كل سنتين لتسليم الجوائز. التي نتمنى أيضاً حضور الجامعة فيها وبهذه الجائزة -إن شاء الله-.