الدورة الأولى الفصل الأول المهنيون 1425هـ – 1427هـ (2005 – 2006)م

الدورة الأولى الفصل الأول المهنيون 1425هـ – 1427هـ (2005 – 2006)م بيان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في حفل الدورة الأولى المهنيون مساء يوم السبت 20صفر -1427هـ الموافق 25 مارس 2006م بقصر المربع بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم يسرني اليوم أن أقف أمامكم مع سمو الأمير تشارلز أمير ويلز والضيوف الكرام وسعيداً بحضوركم اليوم لهذا الحفل المختصر لتقديم هذه الجائزة الاعتبارية التي في معناها قد تكون قليلة ولكن في اعتقادنا وفي الواقع إن شاء الله هي انطلاقة لوعي أوسع لقضية التراث وقضية التراث العمراني الوطني بشكل عام

إن المملكة العربية السعودية هذه الدولة الوثابة الناهضة قد انطلقت ولله الحمد في أبعاد كثيرة فيما يتعلق بالتطوير الحضري وتطوير مدنها وتطوير البشر إلا أننا في السنوات الماضية قد أخفقنا إلى حد كبير في أن نعطي اعتباراً أساسياً لتراثنا العمراني ومعنى هذا التراث في مستقبل نمو هذه الأمة فلذلك نشأت هذه الجائزة من هذا المنظور لأن التراث العمراني لا يعني بقايا الماضي والحفاظ عليه لا يعني دعوة إلى التخلف بل هي العكس من ذلك

فعندما نرى اليوم الدول المتحضرة ومنها بريطانيا الدولة المتحضرة التي يجلس معنا ضيوفنا الكرام في هذه الجائزة اليوم والدول الأوروبية الأخرى والدول التي تنظر إليها متحضرة نرى هذه الدول مع استباقها للزمن في مجال التقنية وفي مجال الفضاء والمجالات الطبية والمجالات الحضرية المختلفة إلا أنها تعطي عناية خاصة بالقرى والمدن والمباني التي تنطلق من تراث هذه الأمم وتعبر عن جانب أساسي عميق من حضارتها

فالأمة التي تتطلع إلى المستقبل كما تتطلع هذه البلاد منذ نشأتها ولله الحمد لا بد أن تكون من الأمم المتمسكة بتراثها وحضارتها وكما أننا اليوم نعيش في هذا العصر الذي أصبح يسمى بعصر العولمة فقد أصبح من الضروري لنا أن نشارك في عملية العولمة ونؤثر في القرار الإنساني في المستقبل المقبل ونشارك ليس بعلمنا أو بمالنا أو اقتصادنا ولكن نشارك أيضاً ببعدنا الحضاري والأمة التي لا تعتني ببعدها الحضاري الثقافي التراثي تبقى مهيضة الجناح وهي تطير بجناح واحد إن سمي جناح الاقتصاد أو سمي جناح القوة أو سمي جناح التقنية

وأنا سعيد أن أقول اليوم وبكل معنى الكلمة إنني ألمس في السنوات القليلة الماضية وبعد أن عاصرت عملية التراث من خلال مؤسسة التراث الخيرية التي تشرفت بإنشائها وتأسيسها وبموازنة غير ربحية منذ أكثر من 17 عاماً ألمس حقاً بعد التمنع الكبير جداً سواء في الجامعات الوطنية أو على مستوى البلديات أو على مستوى المجتمعات المحلية ألمس تغيراً وتحولاً جذرياً نحو العناية بالتراث الوطني بشكل عام والعناية بالتراث العمراني بشكل خاص

وهذا التحول لم يأت من عمل قامت به مؤسسة التراث أو قامت به مؤسسات منفردة بل أتى أساساً من توجه القيادة الحكيمة فما عناية خادم الحرمين الشريفين بالجنادرية وبتطوير المناطق التاريخية في هذه البلاد وما عناية سيدي ولي العهد بما شاكل هذا الموضوع وتبرعه وتقديمه كثيراً من الدعم لمشروعات من هذا الجانب ومنها برنامج الأمير سلطان للعناية بالمساجد التاريخية إلا فقرات مهمة للتحول بالمجتمع السعودي نحو الاهتمام بالتراث الوطني

فهذه البلاد ليست بلاداً مفرغة من تراث ولا مفرغة من حضارة كما يريد بعضهم أن يعتقد الناس وليست بلاد نفط فقط بل هي بلاد الحضارة تقاطعت عليها حضارات الدنيا وتعاقبت عليها الحقب التاريخية وفيها مخزون من التراث الحضاري والعمراني الذي قلما يوجد مثله في عالمنا المحيط ولذلك وجب على أهل هذه البلاد أن يكون لهم الدور الأكبر لإعطاء القضية عناية أكبر

وأنا أستطيع أن أقول اليوم كبشرى إن شاء الله إن العناية المؤسسية بقضايا التراث بدأت تنطلق بعمق وبعد كبيرين جداً فهناك عناية أساسية من الهيئة العامة للسياحة والآثار بتوجيه من سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس إدارة السياحة سابقاً سمو الأمير نايف وزير الداخلية رئيس الهيئة العامة للسياحة حالياً وبدعم كبير من الـ11 وزيراً المشاركين في مجلس إدارة الهيئة بإصدار الهيئة قرارات أساسية بأمر من سمو سيدي ولي العهد ودعمت بقرارات من سمو سيدي وزير البلديات وقرار من سمو وزير الداخلية يمنع أي هدم لأي تراث عمراني في المملكة بحجة أنه آيل إلى السقوط وقد تم تنفيذ هذا القرار منذ ثلاث سنوات تقريباً ويتابع الآن مع البلديات والداخلية وتقوم الهيئة بفحص هذه المواقع قبل السماح للتعدي عليها

كما أن الهيئة العامة للسياحة والآثار قد استثمرت جيلاً جديداً من رؤساء البلديات وسوف تقوم بتدريب ما لا يقل عن 150 رئيس بلدية ومسؤولاً في البلديات الوطنية بأن تبعثهم ببعثات إلى دول متقدمة وقد ذهبوا إلى إيطاليا وفرنسا ومصر وسوف يذهبون الآن إلى تونس وماليزيا على دفعات كبيرة للاطلاع على تجارب هذه الدول في الأبعاد السياحية المختلفة وبالأساس منها المحافظة على التراث العمراني

وأنا سعيد أن أقول وقد قُدّر لي أن أجتمع مع رؤساء البلديات الذين ذهبوا وبعض منهم أتى إليّ وقال نحن كنا نخطئ ونرتكب جريمة في حق تراثنا الوطني بأن نهدمه بحجة إنشاء شارع أو بناء منشأة حديثة فلذلك نحن أيضاً نستثمر في الجيل القادم من رواد العمل التنموي في المملكة وهو رؤساء البلديات

وكنت أستبق الزمن اليوم ولكن بحضور سمو ولي العهد الأمير شارلز حرصت على أن أعلن أنه في هذا اليوم سوف ننشئ صندوقاً لإحياء القرى التراثية تشترك فيه وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة البلدية وقد تمت دراسة هذا الصندوق والموافقة عليه وسوف ينطلق هذا الصندوق في ترميم أول قرية تراثية في المملكة بعد 15 يوماً من الآن ويهدف هذا الصندوق إلى إحياء القرى التراثية في المملكة بحفز المواطنين إلى تقديم الدعم ودعم الدولة متضامناً مع ذلك لإحياء هذه القرى لأن تكون وعاء لكي يمارس الناس فيها حياتهم وتكون مورداً اقتصادياً

فالعناية بالتراث لا تعني العناية العاطفية وإنما تعني أيضاً أن هذا التراث هو مورد اقتصادي أيضاً وأساسي للسكان المحليين إن شاء الله تقوم الهيئة العامة للسياحة الآن بشكل مؤسسي للعناية بالتراث الوطني كما أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تتضامن أيضاً مع الهيئة اليوم في عدد من المشروعات منها تطوير وسط المدن القديمة وتحت يدنا الآن ستة مشروعات للتطوير وأعمال تطويرية وهي تقوم بتسجيل مواقع بمنظمة اليونسكو إن شاء الله بوصفها تراثاً عالمياً

ولذلك ترون أمامكم مجموعة من السكان المحليين الذين التقيتهم وقد التقيت المئات منهم في أنحاء المملكة المترامية ووجدت حقاً اهتماماً كبيراً منقطع النظير من هؤلاء لتبني هذه القضايا ليقينهم اليوم أن تراثهم الوطني العمراني في مواقعهم هو مكسب لهم وهو جائزة لهم يجب المحافظة عليها ولذلك تأتي هذه الجائزة تقديراً لهذه الأعمال البحثية والإنشائية والمؤسسية وأعمال السكان المحليين كما سوف تتوسع إن شاء الله أعمال الجائزة في الدورة القادمة إلى مجالات أرحب

وفي الختام يسعدني أن أعلن عن الجانب الجديد من الجائزة وهو الجانب الوحيد الذي يغطي الجزء العالمي إذ إن الجوائز كلها تقدم للتراث العمراني الوطني والمشاركة في ذلك وهذه الجائزة ذات البعد العالمي جائزة الإنجاز مدى الحياة أو جائزة العمل مدى الحياة وقد قررت لجنة الجائزة ذلك ويشرفني أن أعلن ترشيح صاحب السمو الملكي أمير ويلز لهذه الجائزة على ما قدمه طوال حياته من مجهود خارق في ظل ممانعة ومعارضة شديدتين سواء على المستوى الإعلامي أو على المستوى المهني لقضية التراث العمراني وأهميته الحضارية في بناء الأمم ولذلك اليوم يسرني ويشرفني أن أدعو سموه الكريم إلى استلام جائزة الإنجاز مدى الحياة للتراث العمراني

شارك