كلمة سمو
رئيس اللجنة العليا للجائزة
التراث العمراني عنصر رئيس من عناصر الهوية الوطنية، لذا تحرص عليه
الشعوب التي تقدر تاريخها، وتعتز بإرثها الحضاري، فتبدع الوسائل
لتحافظ عليه، وتغرس في الوقت نفسه معاني الاعتزاز والفخر بهذا
التراث في نفوس أبنائها، لتسري في دواخلهم قيم الانتماء إلى الأرض
والإنسان، فينشؤوا مدركين أهمية هذا التراث، ومتفهمين ضرورة
المحافظة عليه، وملتمسين سبل العناية به، ليبقى حياً ما بقيت
الحياة.
ومثل هذا الارتباط بالتراث يجعل مفهوم الاهتمام به لا يعني أبداً
النأي به ليكون حبيس المتاحف، أو محاطاً بأسوار عالية، أو مزاراً
في أوقات الفراغ، يُستمتع خلالها بلحظات من الدهشة، وإنما أصبح هذا
المفهوم يعني أن يكون التراث حياً في الحاضر، لا طيفاً يثير فينا
الذكرى.
ولم يعدّ تحويل هذا المفهوم إلى واقع أمراً مستعصياً، بعد أن أصبح
استلهام التراث فكراً تأخذ به الشعوب، لإبراز هويتها، وعناصر
تميزها، والتماس القوة التي تواجه بها طوفان الاستلاب، الذي أصبح
طابع عصر العولمة بكل ثوراته التقنية والاتصالية والمعلوماتية.
ولما كان التراث العمراني بحضوره القوي في حياة الإنسان من أكثر
عناصر الهوية بروزًا ووضوحاً، ومن أيسرها في التطويع لتأتلف مع
إيقاع الحياة المتجدد، وخصوصاً بعد أن أكدت التجارب القيمة
الاقتصادية للتراث العمراني، بوصفه أحد أهم المقومات السياحية لأي
بلد، ومن أهمها استقطاباً للسياح.
ومن هذا المنطلق، فقد برزت فكرة إطلاق جائزة وطنية تعنى بتشجيع
المختصين بالعمارة من أساتذة ومعماريين وطلاب على استلهامه وتمثله،
سواءٌ في أعمالهم الفكرية التي تؤطر مفهوم التراث العمراني
وتبلوره، أم في المشروعات المعمارية، التي تبرز عناصر هذا التراث
العمراني في مفرداتها، وتجسدها بلغة معمارية مبدعة تستنطق التراث،
وتنسجم مع طابع العصر، وسيرورة الحياة نحو التقدم والتطور، بما
يؤكد قدرة تراثنا على التجدد والعودة إلى واجهة الحياة بقوة.
ونتطلع أن تسهم هذا الجائزة في تطوير مفهوم التراث العمراني، من
خلال مشروعات عمرانية وبحوث تؤكد الأبعاد الحضارية والثقافية
والاقتصادية لهذا التراث، وتحقق النفع والفائدة للوطن والمواطن،
وترسخ الارتباط به، وتوجد الوعي بأهمية المحافظة عليه، لتتسق جهود
الدولة والمواطنين، وتتكامل.
سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود
مؤسس و رئيس مؤسسة التراث الخيرية
ورئيس اللجنة العليا للجائزة
|